1.4.12

فيرونيكا تُقرّر أن تموت





إنه إسم مستفزّ لرواية، إذ كيف لفيرونيكا أن تقرّر موتها؟ فهل الموت هو قرار شخصي يتحكّم به الإنسان؟ عندما يتناهى إلى سمعنا مصطلح "الإنتحار" فإننا نظنه تحكّم بالمصير لأول وهله، ولكن ما يغيبُ عنا آنذاك هو أنّ الله يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون. هذا ما يتأكّد في الرواية إذ أنّ فيرونيكا تقرّر أن تضع حدّا لحياتها منتحرةً فتتفاجأ بأن تستفيق في مستشفى للأمراض العقلية، فيُعيّن لها الأطباء خمسة أيام لموتها ولكن حتى الطب الحديث يعجز عن القول الفصل في الأجل. هذا يذكّرنا بالآية الكريمة : "وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت"(لقمان، 34).

فيرونيكا هي مثال لتأثير الحياة المادية إذ أنه لم يكن ينقصها شيء في دُنياها ولكن ما دفعها إلى اتخاذ هذا القرار المصيري هو "الروتين" الذي تحياه كل يوم، فهي تعيش كل يوم نفس الترتيبات ونفس الهموم ونفس الأفراح ونفس الأحزان والأحداث، ولكنها غفلت عن السبب الحقيقي لبُؤسها ألا وهو فقدان الجانب الروحي فهي لم تكن تحيا لهدف سامٍ بعيد الأمد وإنما كانت تحيا كل يوم بيومه. إن هذه الرواية ورغم الإيحاءات الجنسية البارزة فيها ورغم الأفكار الإلحادية إلا أنها تُعالج قضايا بالغة الأهمية في علم النفس ولذا نصطاد ما يُفيدنا من بحر كل شيء. إنها رواية تأخذك إلى فهم عالم جديد يهابه كثير من الناس ألا وهو عالم الجنون فينحدر الكاتب إلى العمق المطلوب لسبر أغواره، ويأخذنا في رحلة ما بين الطبيعي واللا طبيعي والحد الفاصل الغير واضح في أحيان كثيرة بين الصنفين.

إن تجربة الجنون غيّرت حياة فيرونيكا إلى الأفضل بخلاف ما هو متوقّع، إذ أنها خلال الخمس أيام المتبقية لحياتها أدركت طعم الحياة لأنها استطاعت التحرّر من كل قيود المجتمع بحكم كونها في مستشفى للأمراض العقلية حيث كل شيء مسموح تقريبا، وعندها اكتشفت أمورا جديدة لم تكن تعلمها، مما كسر "روتين" حياتها وأخذت عندها تستعيد رغبتها في الحياة مع علمها أن أجلها قريب وفقا لفحص الأطباء الغير دقيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق