11.10.12

الإسلام والفن/ د. يوسف القرضاوي

كتاب يُعالج موضوع غاية في الأهمية ألا وهو موضوع الفن: فهل يُحرّم الإسلام الفن بمطلقه؟ أم أنه يضع ضوابط ينبغي مراعاتها حتى لا يكون فنّا هابطا تسويقيا؟ والحق أنك عندما تقرأ هذا الكتاب تكتشف المسافة الهائلة بين فهم الدكتور القرضاوي وغيره من علماء الأمة للفن وبين واقعنا الذي نحياه، ففي واقعنا هناك من نبذ الفن وراء ظهره كأنه رجس من عمل الشيطان، وهناك من تمادى ففتح الأبواب على مصراعيها دون أن يستعمل المصفاة وصار مُقلّدا للغرب ومستهلكا لبضاعاتهم الهابطة، مما أضاع الحق بين مُفرط ومفرّط.  
 
ففي أهمية الفن يقول الدكتور القرضاوي: "ولا مراء في أن موضوع الفن موضوع في غاية الخطر والأهمية ، لأنه يتصل بوجدان الشعوب ومشاعرها ، ويعمل على تكوين ميولها وأذواقها ، واتجاهاتها النفسية ، بأدواته المتنوعة والمؤثرة ، مما يسمع أو يقرأ ، أو يرى أو يحس أو يتأمل "، أما عن حكم الفن فهو يقول: "ولأن الفن وسيلة إلى مقصد ، فحكمه حكم مقصده ، فإن استخدم في حلال فهو حلال ، و إن استخدم في حرام فهو حرام"، وأما عن المتشدّدين في الموضوع فهو يقول: "وربما ساعدهم على ذلك سلوك بعض المتدينين ، الذين لا ترى أحدهم إلا عابس الوجه ، مقطب الجبين ، كاشر الناب ، وذلك لأنه إنسان يائس أو فاشل أو مريض بالعقد والالتواءات النفسية ، ولكنه برر ذلك السلوك المعيب باسم الدين ، أي أنه فرض طبيعته المنقبضة المتوجسة على الدين ، والدين لا ذنب له ، إلا سوء فهم هؤلاء له ، وأخذهم ببعض نصوصه دون بعض . وقد يجوز لهؤلاء أن يشددوا على أنفسهم إذا اقتنعوا بذلك ، ولكن الخطر هنا : أن يعمموا هذا التشديد على المجتمع كله ، ويلزموه برأي رأوه ، في أمر عمت به البلوى ، ويمس حياة الناس كافة "، بل إن الفن يدخل في العبادات: "وقراءة القرآن وسماعه عند من عقل وتأمل إنما هما غذاء للوجدان والروح لا يعدله ولا يدانيه غذاء ، وليس هذا لمضمونه ومحتواه فقط ، بل لطريقة أدائه أيضاً ، وما يصحبها من ترتيل وتجويد وتحبير تستمتع به الآذان ، وتطرب له القلوب ، وخصوصاً إذا تلاه قارئ حسن الصوت ، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي موسى : «لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود » رواه البخاري والترمذي".
 
في موضوع الغناء ينتهي إلى: "والخلاصة أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح ، أو صريح غير صحيح . ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح دليلاً للتحريم ، و كل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية . قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب « الأحكام » : لم يصح في التحريم شيء . و كذا قال الغزالي و ابن النحوي في العمدة . و قال ابن طاهر في كتابه في « السماع » : لم يصح منها حرف واحد . و قال ابن حزم : « و لا يصح في هذا الباب شيء ، و كل ما فيه فموضوع . ووالله لو أسند جمعية ، أو واحد منه فأكثر ، من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم،‌ لما ترددنا في الأخذ به » (انظر « المحلى » : 9/59)"، وأيضا: " فمن نوى باستماع الغناء ، ومن نوى به ترويح نفسه ، ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل ، وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن ، وفعله هذا من الحق ، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه ، كخروج الإنسان إلى بستانه ، و قعوده على باب داره متفرجاً وصبغه ثوبه لا زورديّاً أو أخضر أو غير ذلك ، ومد ساقه وقبضها ، و سائر أفعاله (المحلى : 9/60(".
 
ويقول أيضا: "ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية ، حتى إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه ، و تنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه . ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم . بل نقول : إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتى قال الغزالي في « الإحياء » : «‌ من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال ، بعيد عن الروحانية / زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور و جميع البهائم ، إذ الجمل – مع بلادة طبعه – يتأثر بالحداء تأثر يستخف معه الأحمال الثقيلة و يستقصر – لقوة نشاطه في سماعه – المسافات الطويلة ، و ينبعث فيه من النشاط ما يسكره و يولهه . فترى الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها ، وتصغي إليه ناصبة آذانها ،‌ وتسرع في سيرها ،‌ حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها »"، ويزيد على ذلك: "و إذ كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء‌ الدين لمحاربة‌ الغرائز و الفطر و التنكيل بها ؟ كلا ، إنما جاء لتهذيبها والسمو بها ، و توجيهها التوجيه القويم . قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها و تغييرها". لكن من العجيب أن تسمعه يقول: " فقد ورد عن أبي الدرداء قوله : « إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق «".
 
أما فيما يتعلّق بالتصوير فهو يجمل القول بما يلي: "ونستطيع أن نجمل أحكام الصور والمصورين في الخلاصة التالية :
( أ ) أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يعبد من دون الله ، فهذه تؤدي بمصورها إلى الكفر إن كان عارفاً بذلك قاصداً له .
و المجسم في هذه الصور أشد إثماً ونكراً . و كل من روج هذه الصور أو عظمها بوجه من الوجوه داخل في هذا الإثم بقدر مشاركته .
( ب ) ويليه في الإثم من صور ما لا يعبد ، ولكنه قصد مضاهاة خلق الله ، إي ادعى إنه يبدع و يخلق كما يخلق الله ، فهو بهذا يقارب الكفر ، وهذا أمر يتعلق بنية المصور و حده .
( ج ) و دون ذلك الصور المجسمة لما لا يعبد، و لكنها مما يعظم كصور الملوك والقادة والزعماء وغيرهم ممن يزعمون تخليدهم بإقامة التماثيل لهم ، و نصبها في الميادين ونحوها ، ويستوي في ذلك أن يكون التمثال كاملاً أو نصفياً .
( د ) ودونها الصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يقدس ولا يعظم ، فإنه متفق على حرمته ، يستثنى من ذلك ما يمتهن ، كلعب الأطفال ، ومثلها ما يؤكل من تماثيل الحلوى .
( هـ ) و بعدها الصور غير المجسمة ( اللوحات الفنية ) التي يعظم أصحابها ، كصور الحكام والزعماء ، وغيرهم ، و خاصة إذا نصبت وعلقت ، وتتأكد الحرمة إذا كان هؤلاء من الظلمة والفسقة والملحدين ، فإن تعظيمهم هدم للإسلام .
( و ) ودون ذلك أن تكون الصورة غير المجسمة لذي روح لا يعظم ، ولكن تعد من مظاهر الترف ، و التنعم كأن تستر بها الجدر ونحوها ، فهذا من المكروهات فحسب .
( ز ) أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال والنجوم والسحب ونحوها من المناظر الطبيعة ، فلا جناح على من صورها أو اقتناها ، ما لم تشغل عن طاعة أو تؤد إلى ترف فكره .
( ح )‌ و أما الصور الشمسية ( الفوتوغرافية ) فالأصل فيها الإباحة ، ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم ، كتقديس صاحبها تقديساً دينياً ، أو تعظيمه تعظيماً دنيوياً ، وخاصة إذا كان المعظم من أهل الكفر أو الفساق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين .
( ط ) وأخيراً . . إن التماثيل والصور المحرمة أو المكروهة إذا شوهت أو امتهنت ، انتقلت من دائرة الحرمة والكراهة إلى دائرة الحل ، كصور البسط التي تدوسها الأقدام والنعال ونحوها ".
 
كما يشتمل الكتاب على حديث عن حدود الضحك والمزاح، وعلى حديث عن الألعاب المتنوّعة (مثل الشطرنج والألعاب البهلوانية ووو) وما يتوجّب الحذر منه في هذا الباب. وباختصار فإن روح الكتاب تنسجم مع الفطرة وما يحرم لا يحرم إلا إذا احتوى على ضرر، فلكل تحريم حكمة علمناها أم لم نعملها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق